{حم} الكلامُ فيه كما مرَّ في فاتحةِ سورةِ المؤمنِ فإنْ جُعلَ اسماً للسورةِ، فمحلُّه الرفعُ على أنَّه خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ أي هذا مُسمَّى بحم. والإشارةُ إلى السورةِ قبل جريانِ ذكرِها قد وقفتَ على سرِّه مراراً، وإنْ جُعلَ مسروداً على نمطِ التعديدِ فلا حظَّ له من الإعرابِ. وقولُه تعالى: {تَنزِيلُ الكتاب} على الأولِ خبرٌ بعدَ خبرٍ، على أنَّه مصدرٌ أطلقَ على المفعولِ مبالغةً، وعلى الثانِي خبرٌ لمبتدأٍ مضمرٍ يلوحُ به ما قبلَهُ أي المؤلفُ من جنسِ ما ذُكِرَ تنزيلُ الكتابِ وقيلَ: هو خبرٌ لحم أي المُسمَّى به تنزيلُ إلخ وقد مرَّ مراراً أنَّ الذي يُجعلُ عُنواناً للموضوعِ حقَّه أنْ يكونَ قبلَ ذلكَ معلومَ الانتسابِ إليه، وإذ لا عهدَ بالتسميةِ بعدُ فحقُّها الإخبارُ بَها، وأما جعلُه خبراً له بتقديرِ المضافِ وإبقاءِ التنزيلِ على أصلِه أي تنزيلُ حم تنزيلُ الكتابِ فمعَ عرائهِ عن إفادةِ فائدةٍ يُعتدُّ بها تمحلٌ على تمحلٍ. وقولُه تعالى: {مِنَ الله العزيز الحكيم} كما مرَّ في صدرِ سورةِ الزمرُ على التفصيلِ، وقيلَ: حم مقسمٌ به، وتنزيلُ الكتابِ صفتُه، وجوابُ القسمِ قولُه تعالى: {إِنَّ فِى السموات والأرض لأَيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ} وهو على الوجوهِ المتقدمةِ كلامٌ مسأنفٌ مسوقٌ للتنبيهِ على الآياتِ التكوينيةِ الآفاقيةِ والأنفسيةِ، ومحلُّ الآياتِ إمَّا نفسُ السمواتِ والأرضِ فإنَّهما منطويتانِ من فنونِ الآياتِ على ما يقصرُ عنه البيانُ وإما خلقُهما كما في قولِه تعالى: {إِنَّ فِى خَلْقِ السموات والأرض} وهو الأوفقُ بقولِه تعالى {وَفِى خَلْقِكُمْ} أي من نطفةٍ ثم من علقةٍ متقلبةٍ في أطوارٍ مختلفةٍ إلى تمامِ الخلقِ {وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ} عطفٌ على المضافِ دونَ المضافِ إليه أي وفيمَا ينشرُه ويفرّقُه من دابةٍ.{ءايات} بالرفعِ على أنَّه مبتدأٌ خبرُهُ الظرفُ المقدمُ. والجملةُ معطوفةُ على ما قبلَها من الجملةِ المصدرةِ بإنَّ وقيلَ: آياتٌ عطفٌ على ما قبلَها من آياتٍ باعتبارِ المحلِّ عندَ من يُجوِّزُه وقُرِيَء آيةٌ بالتوحيدِ، وقرئ: {آيات} بالنصب عطفاً على ما قبلها من اسم إنَّ والخبر هو الخبر كأنه قيل: وإن في خلقكم ما يبث من دابة آياتٍ {لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} أي من شأنِهم أنْ يُوقنوا بالأشياءِ على ما هيَ عليهِ.